آثار صلخد
القلعة :
تأتي في مقدمة آثار المدينة لأهميتها , وتقع على ثالث قمة صخرية بازلتية وعلى علوٍّ يزيد على ( 1400 م) عن سطح البحر .
وكانت القلعة تحتضن المنطقة السكنية التي تراكمت بيوتها على سفحها الشرقي. ، وأهم ما تتميز به هذه القلعة : موقعها الهام المدروس , حيث تشرف على ريف المدينة إشرافاً دقيقاً وتشكل أعلى قمة بالمنطقة وترتبط بمواقع أخرى بشبكة من أبراج المراقبة .
فالناظر منها يمتد بصره شمالاً حتى أعلى تلال جبل السويداء حيث توغل الطرق التجارية في تلك المناطق الصعبة الاجتياز , أما للجنوب والشرق فيمكن لنظرك الامتداد حتى توقفه مشارف البادية , وللجنوب يلتقي بـ (تل بعاط) وقلعة (دير الكهف) إلى الشرق .وإن هذين المخفرين يشكلان مع قلعة صلخد مثلثاً قائم الزاوية رأسه قلعة صلخد ووتره خط النظر ما بينها وما بين قلعة دير الكهف , أما قاعدته فهي خط النظر ما بين هذه الأخيرة وما بين مخفر تل بعاط , إن هذا المثلث يرصد القفر الواسع الذي يشكل يوماً مركز تجمع القبائل البدوية .
أما من الغرب فالقلعة تشرف على أرض حوران وتخضع قلعة بصرى لحمايتها وإشرافها .
كما ترتبط القلعة بعدد من المخافر المحلية التي ما تزال آثارها باقية إلى الآن ومن أبرزها برج في بلدة عرمان والآخر في بلدة ملح ويوصلان التعليمات إلى قلعة الزلف والمارّة في الشمال الشرقي والموغلة في التقدم في أطراف البادية .
وبذلك قد اتخذت قلعة صلخد من تلة صخرية مقرا واثق الارتكاز على تلين أخريين فهي بالتالي رأس هرم لتلال ثلاث .
وقد صفِّحَت صخور القلعة بحجر بازلتي منحوت تحكمت هذه الصخور الطبيعية القديمة بذلك السور فجاء بشكله الأقرب للدائرة ، ويتخذ الصاعد إليها طريقين من الشمال والجنوب تلتقيان في نقطة واحدة تشكل باب القلعة الذي زالت معالمه ، ويحيط بالقلعة خندقٌ ما زال له آثار واضحة تماماً في الجهة الشمالية والغربية ، عرضه أكثر من 10 متر وعمقه المرئي أكثر من 6 متر وربما كان يستخدم كمعوِّق ترابي عند عدم توفر الماء !!كما كان طريقا واصلاً ما بين قلعة صلخد وبصرى....
وجدار القلعة قد صمم ليكون مائلاً إلى الداخل ثم يرتد بكسرةٍ منفرجةً إلى الخارج ليحولَ دون المتسلقين وقد روعي في البناء أن تكون الكسرتان متعاكستين . لقد غُرزت حجارة هذا البناء في كتلة من الحجر الممزوج بطبقة من الملاط قد أُحكم إيغال الحجر الخارجي الذي جاء على شكل مسمار وقد نُحت وجهه وأحكم تطابقه وقد روعيت أثناء البناء فتحات الرماية على الطريقة المعروفة في كل القلاع .
يقود المتفرج إلى القلعة درجٌ مرتفع يفضي إلى الجزء الغربي من جسم القلعة وهو ضيق
مهمل في أكثر أجزائه ولا يعتقد أنه الدرج القديم ، ولكنه المدخل الوحيد الذي يضعك
بين جنبات الجدران الناطقة بعظمة وشموخ .
ونظرا للخراب الذي ما زال ماثلاً بسبب قلة الاهتمام من السلطات المسؤولة فلا بد للزائر من تدبير طريقة للدخول إلى المستودعات لأن الطرق والدهاليز إليها قد سُدّت أو ردمت ، ومع هذا يمكننا الفهم من البناء أن القلعة مؤلفة من ثلاثة أدوار وتحوي عدداً كبيراً من الغرف مما يجعل بعض المؤرخين يميل إلى الاعتقاد أن " أبنيتها تزيد على أبنية قلعة حلب " .
ويلاحظ من بنائها أنه متطور من الشمال وربما كان قد أضيف إليها زمن الأيوبيين أو المماليك وربما خصص لرؤساء الحرس ولقيادة الحامية التي كان يضعها بجانبه .
أما المستودعات الشرقية فهي عنابر تختلف بحجومها ، تراكم بعضها فوق بعض وما زال قسم منها في حال جيدة ، روعيت في جدرانها الشرقية فتحات للرماية التي تُخضع الأحياء السكنية إلى مراقبتها الدقيقة ويعتقد أن هذه المستودعات كانت غرفاً للذخيرة والمؤن و للجنود وأخيراً للخيول وعدتها .
ترتبط أقسام القلعة بدهاليز الاتصال التي تأخذنا للقسم الغربي من القلعة , ويستطيع
المرء حتى الآن أن يسير إلى مسافات بعيدة في بعض الدهاليز فهناك دهليز صالح حتى
الآن يأخذ الزائر طريقه فيه من باب يتجه نحو الجنوب يليه درج بسيط ينعطف نحو اليسار
ثم يلتف تحت كتلة البناء الذي يقع عليه البرج الحالي ثم يفضي إلى باب عال يتجه نحو
الشرق . لقد حفر هذا الدهليز بالصخر الهش يضيق أحياناً بحيث لايتسع لأكثر من شخص ثم
يتسع أحيانا ليشكل معبرا واسعا .
في بداية هذا الدهليز خزانات ماء يأخذ كل منهما شكل نصف كرة .
سقوف المستودعات والدهاليز معقودة جميعها بالحجر الهش الخشن لامتصاص الصدمة ولزيادة
تماسك مُزِج الجحر فيها بطبقة من الملاط , وتشاهد في أعلى كل سقف فتحة للتهوية
وللإضاءة .
وتعتمد القلعة في الأيام التي يسودها السلام والأمان على ماء البركة , وعلى ماء خزاناتها وآبارها أيام الحروب , وقد استضافت هذه القلعة عدد من الحكومات كانت تضيف إليها بعض الأحيان أوابد جديدة , حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن ...... فالفاطميون أضافوا برجاً ,والأيوبيون رمموا أسوارها وحسّنوا ممراتها ولعلهم أكثر الإدارات التي اعتنت بها و مايزال سورها الغربي يحمل اسم عز الدين أيبك
وقد ذُكر أن هناك لوحة حجرية ماتزال موجودة كُتِب عليها :
( بسم الله الرحمن الرحيم
أمر ببناء هذا الموقع المبارك الفقير إلى الله عز الدين أيبك أستاذ دار الملك
المعظم ابن الملك العادل
أبي بكر أيوب ).
وقد ذُكر أيضا انه أمر ببناء مكان في هذه القلعة سنة 1221م . ووجد أيضا كتابة تحمل تاريخ سنة 1317 – 1318 م وتعود لعهد المماليك .
وقد عرف المؤرخون هذه القلعة, وجميعهم أثنوا على متانة تحصينها وأهمية موقعها , فقد ذكرها ابن خلّكان وابن تفر بردى وياقوت الحموي والقلقشندي ولكن معلوماتهم أو ما ذكروه كان مقتضبا قليلا أما في العصر الحديث فقد توفر عدد من آراء الباحثين الأثريين لكنهم لم يتفقوا على جهة من الجهات التي يعود إليها بناء القلعة .
· يذكر أبو الفرج العش في كتابه (( آثارنا )) أن صلخد مشهورة بقلعتها (( الحصينة الرابضة فوق رابيتها المشرفة على السفوح الجنوبية وهي تعود إلى العهد الأيوبي ))1
· وفي كتاب آثار سورية القديمة الذي ترجمه الأستاذ قاسم طوير يذكر هورست كلينكل أن بناء القلعة يعود إلى ((العرب الأنباط ثم تجدد بناؤها في العهد الأيوبي ))2.
· ويذكر الجنرال الفرنسي أندريه الذي أخضع الجبل أن بناء القلعة (( قد بدأ بعهد هيردوس))3 ومن المعروف أن هيردوس كان حاكماً على فلسطين بين عامي 37 ق م – 4 م . وقد أقام تحالفاً تجارياً بين عشر مدن ومن بينها بصرى وعلى هذا الأساس ربما كان معنياً ببناء حصن في هذه الزاوية لحماية التحالف التجاري الذي عبر عنه " بالديكابويس " أي : مركز المدن العشر , ومما يؤسف أن صاحب كتاب القلاع والحصون في سورية الذي ألفه الأستاذ أكرم ساطع أنه لم يذكر القلعة أبداً .
· ولا نريد الوقوف عند هذه الآراء فالقلعة ليست أيوبية البناء ولا يقتصر إشرافها على السفوح الجنوبية كما ذكر أبو الفرج العش . ولعل هورست كلينكل يقترب من الحقيقة أكثر عندما أعادها لأصول نبطية غير أن تجديدها في عهد الإسلام – كما يذكر – فيه من العمومية الشيء الكثير . أما الجنرال أندريه فقد بنى رأيه على كتب لم يذكرها .
وفي واقع الأمر أنه لم يكن بمقدور أحد من المؤرخين تحديد الجهة التي تعود إليها القلعة ما لم يتم التنقيب فيها حيث تبقى الكلمة النهائية والأخيرة في هذا المجال لمديرية الآثار السورية أو البعثات الأثرية التي ترغب مديريتنا بدعوتها إلى الاضطلاع بهذه المهمة .
لقد ارتبطت القلعة أيام الأيوبيين بالسلطنة عن طريق حاكمها وكان له نائب يدير حركتها , وفي عهد المماليك كانت صلخد إحدى (( النيابات الأولى ))4 حيث يُجعل فيها من يخلع من السلطة وهي بالتالي نيابةٌ معظمة على درجة من الأهمية أُنيب فيها العادل كتبغا (( بعد خلعه من السلطة ))4 وكانت تنفرد بوالٍ خاص دوماً (( وهي من القلاع التي يستقل نائب الشام بالتولية فيها )) هذا وقد قُسّمت الصفقة القبلية إلى نيابتين : الأولى منهما((نيابة قلعة صرخد)) والثانية نيابة عجلون .
وبالرغم من الدمار الذي حلّ بهذه القلعة على يد المغول وعلى يد
السلطان المملوكي
ناصر الدين فرج سنة 1409 م والذي كان قد أحضر منجنيقاً يجره مئتا جمل كما يذكر
العسقلاني لإخضاع الملك المؤيد " شيخ " الذي قد اعتصم فيها كما أحضر الناصر فرج
لتنفيذ هذه المهمة عدداً من المكاحل والراجمات بالإضافة إلى ما لاقته من الدمار
على يد الفرنسيين الذين بنوا بحجارتها مستودعات ومهاجع واصطبلات متناسبة مع خططهم
وبالإضافة إلى هذا فقد ساهم أهلها وفي ظل غياب الحكومات الوطنية بخرابها ومع هذا
كلّه فما تزال القلعة تحتفظ بهيبتها الدهرية غير عابئة بما حل بها من مصائب ومحن ,
فقد عركها الدهر بأنيابه ثم لفظها وظلت قمةً شامخةً ترتفع بكبرياء لكننا لا نعرف
إلى متى في ظل ما تتعرض له من إهمال وقلة اهتمام كمنطقة أثرية من السلطات المسؤولة
.
المئذنة : تقع وسط الساحة القديمة التي أنشأها الفرنسيون وسمّيت فيما بعد ساحة الجلاء , تصميمها سداسي الشكل , عرض كل جدار أكثر من مترين ومحيطها أكثر من (12م)(( لها باب صغير)) 5 من جهة الجنوب ارتفاعه أقل من مترين وتبلغ سماكة جدرانها (93سم) ويأخذ الصاعد إليها طريقه على درج لولبي يعتمد محوره على محور حجري قطره ( 40 سم ) وقد جاء الدرج مع المحور قطعة واحدة بحيث تنتهي كل درجة بذيل دائري منحوت وهو جزء من المحور الذي بقي منه ست وأربعون درجة حتى الآن ترتفع بالزائر إلى أعلى المئذنة , وما تبقى من المئذنة حتى الآن نحو ( 13 م ) وقد بُنيَت في زمن عز الدين أيبك سنة ( 630 هـ - 1232 م ) وعملت كمركز للمراقبة وإعلاني للفرمانات الصادرة وفي المدينة معبد ديني مغمور وكنيسة .
المقابر : منتشرة في أنحاء المدينة وغير أن المدافن الرئيسية معتمدة على مقبرتين : الأولى غرب القلعة وهي تحمل آيات قرآنية كتبت بخط أنيق وهذا المدفن يقع إلى الشمال من سور مدرسة بستان شلغين ولا يتم الدفن فيها حاليا فهي خاصة بالحكام , والثانية : تقع جنوبي الساحة القديمة وحجارتها منحوتة وكان يتم الدفن في بعض من حجارتها حتى وقت ليس ببعيد لكن انتشار الامتداد العمراني حولهاه أدى إلى إلغاء الدفن فيها حاليا , وتم تشييد مقبرة جديدة للمدينة جنوبي الدينة بنحو 1كم قريبا من طريق صلخد - قرية المشقوق لتؤمن سكناً لموتى .
ملاحظة : قد تم اكتشاف مقبرة أثرية في الجهة الغربية من القلعة على الطريق الواصل إليها من الغرب ودوّنت أسماء الراقدين داخلها على رُقم أو ما نسميه وثيقة حجرية بداخل المقبرة وقد تم نقله لخارجها ووضع على باب المقبرة الصغير ومع ذلك قد تفيدنا هذه المقبرة باكتشاف سر جديد يكشف غموضها وقد تركنا صورة الرقم لكم لتلتقطوها أنتم عند تشريفكم بزيارتها ........... وأهلا بكم أيمَ حللتم ..........
·
نمم المراجع:
· 1 أثار سورية القديمة – هورست كلينكل – ص 77 ترجمة قاسم طوير
· 2 مذكرات الجنرال الفرنسي أندريا – ص 237 – ترجمة هاني أبو مصلح – بلا تاريخ طبع
· 3خطط الشام – ج3 – ص227 – محمد كرد علي
· 4صبح الأعشى- السفر الثالث – طباعة وزارة الثقافة – القلقشندي – ص 649